مارس ٢٤، ٢٠٠٨

ماذا بعد؟


يمكن القول إن الرسومات المسيئة عندما نشرت في المرة الأولي إنما كانت تعبر عن اختلاف المنظور الذي ينظر به الغرب نحو الدين ، فالغرب بصفة عامة لا ينظر للأنبياء نفس نظرة التقديس الذي ينظر بها العالم الإسلامي إليهم ، وهو ما تطلب فتح حوار إسلامي غربي .

ومما يدلل علي ذلك أن الجريدة التي نشرت الرسومات في المرة الأولي هي جريدة متواضعة التأثير والانتشار ، والرسام نفسه الذي قام برسم تلك الصور هو مجرد رسام مغمور فشل أكثر من مرة في جعل أكثر من جريدة تنشر رسوماته فلجا لتلك الجريدة المتواضعة .

إلا أن المرة الثانية التي نشرت فيهاتلك الرسومات تعبر عن محاولة متعمدة للإهانة من جانب الغرب ، فإعادة نشر الرسوم في حوالي 17 جريدة دانمركية في نفس الوقت ، المشهور منها والمغمور هو تأكيد على هذا التعمد ، ويدل أيضا على استهانة بالغة بمشاعر المسلمين ويعبر أيضا عن عناد طفولى أحمق ميز هذا التصرف .
فالمفترض أن يكون الغرب وبخاصة الدانمركيون قد أدركوا بعد رد الفعل الإسلامي من نشر الرسومات في المرة الأولي أن الإساءة إلى المقدسات الإسلامية تؤذى مشاعر المسلمين وتؤجج غضبهم ، والطبيعي بعد هذا الإدراك ألا تتم تلك الإساءات مرة أخرى ولو بقدر الإمكان ، وإذا حدثت مرة أخرى فالمفترض أن تكون بشكل عفوي غير متعمد من جانب بعض الجهلة المتعصبين ، ولكن الإساءة عندما تكررت فان الذين قاموا بها هم جزء لا يستهان به من الإعلام الدنماركى الذي من المفترض أن يكون أكثر وعيا بخطورة الانجرار إلى رد فعل انفعالي في تلك القضية الحساسة ، وكان يمكنهم التعبير عن تضامنهم مع الرسام ضد التهديدات التي يتعرض لها بطرق أخرى كثيرة غير إعادة نشر الرسومات مرة أخرى ، ولعل تلك التهديدات لا وجود لها من الأساس وإنما هي من الممكن أن تكون مجرد محاولة من ذلك الرسام الحقير لجذب الأضواء مرة أخرى إليه بعد انحسار اهتمام الإعلام بالقضية .
اما بالنسبة لرد الفعل الإسلامي عند نشر الرسومات في المرة الأولي ، فهو فى رأيي الذي قاد إلي نشر الرسومات في المرة الثانية
فكعادة العالم الإسلامي دائما في فترات تخلفه تلك ، تميز رد الفعل بالغوغائية والعصبية والانفعال ، بل وقام المتظاهرون الغاضبون في سوريا بمهاجمة السفارات الأجنبية في سوريا واحراق السفارة الدنماركية فيها في مشهد يؤكد للغرب أن الرسومات المسيئة تعبر عن الواقع وان إتباع محمد همجيون إرهابيون غوغائيون متظرفون لا يستمعون لصوت العقل .

وكعادة العالم الإسلامي أيضا اقتصرت ردود الأفعال على المظاهرات وإحراق الإعلام وتصريحات تندد وتشجب وتدين ثم ...........لاشيء على الإطلاق .
الا محاولة منفردة قام بها الداعية عمرو خالد للحوار مع الغرب ، ولم تؤت تلك المحاولة ثمارها ، إلا أنها ظلت على الأقل محاولة عملية وتحرك ايجابي قام به عمرو خالد بدلا من السكون والصراخ والعويل .
غير ذلك لم يفعل احد شيئا وذهب المتظاهرون إلى بيوتهم وهم راضون عن أنفسهم بعد أن اخرجوا ما في صدورهم من غل و كبت في المظاهرات .
إما وسائل الإعلام الغربية ، فهي التي تتحمل الجزء الأكبر من تلك المشكلة فهي تصر دائما وابدأ علي تصوير العرب والمسلمين بصورة في منتهي السلبية في كل الأوقات ، وتمارس عملية غسيل مخ على المشاهدين لإقناعهم بتلك الصورة ، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية وتصور المسلمين بصورة لا تقل وضاعة ووحشية عن التي عبرت عنها تلك الرسومات .
إلا أن ذلك لا يمنع من التأكيد علي وجود بعض العقلاء في الغرب ممن يرفضون تلك التحيزات المسبقة ويدعون إلي فتح حوار بين العالم الإسلامي والغرب ، ويرفضون تلك الرسومات وما شابهها .
فقد قامت مجموعة من الدنمركيين بإنشاء مجموعة علي صفحات موقع الفيس بوك تحت ى عنوان "عذرا محمد" بهدف الاحتجاج علي إعادة نشر الرسومات المسيئة للرسول صلي الله عليه وسلم .
وقال أندريس بوتة صاحب المبادرة " أشعر بغضب شديد مما قامت به الصحف الدنماركية ، أشعر أن أجهزة الاعلام لا تمثلني وان ما قامت به عمل طفولي .
تلك الأفعال تؤكد علي أن هناك أمل في إنشاء حوار في المستقبل وإمكانية وجود تعاون بين العقلاء على الجانبين يوما ما
أما سلاح المقاطعة والذي نادي به البعض عندنا ، واعترض عليه البعض الآخر تحت دعوي عدم جدواها الاقتصادية وان المسلمين لن يستطيعوا الاستغناء عن أكل الجبن " وهو ما سمعته بأذني من البعض" .
اما بالنسبة للجدوى الاقتصادية فالمقاطعة لن تضرنا ولن تضرهم ، فالتبادل التجاري مع الدنمارك والدول المجاورة لها لا يتعدي بضعة ملايين لا تؤثر على الإطلاق ، ولكني هنا أتحدث عن المقاطعة لهدف آخر .
وهو أن يعرف الغرب أننا نستطيع أن نقول لا وأننا نستطيع الاعتراض ،هي وسيلة ليعرفوا أننا لم نمت بعد وان كرامتنا لم تذهب أدراج الرياح وأننا لسنا نائمين ولم نستغرق فى النوم بعد .
وهناك مقولة طريفة جدا سمعتها من أستاذى في الثانوية العامة عن المقاطعة فكلما تناقشنا حول هذا الموضوع وبرز من يعترض علي المقاطعة يسأله استاذى هذا السؤال " لو واحد بقال شتم أمك تروح تشترى من عنده ؟" فيرد الآخر " لا طبعا أبقى مش راجل " فيقول استاذى " فما بالك بمن يشتم من هو خير من أمك، يشتمون رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟" فيسكت الرجل ولا يحر جوابا .
فالمقاطعة هدفها معنوي بالدرجة الأولي وهى تتعلق باعتبارات الكرامة ، فنحن نستطيع الاستغناء عن أكل الجبن ممن يسيئون إلينا وإلا تحولنا إلى خراف وحيوانات لا تستطيع التحكم في نفسها ولا تصرفاتها .
ويبقى الجزء الأكبر من الجهد علينا نحن المسلمين ففي ظل عملية غسيل المخ التي يمارسها الإعلام الغربي على الجمهور هناك فان علينا مسئولية كبيرة في التعريف بالإسلام الحقيقي للجمهور الغربي وتوعيته بقضايا العرب والمسلمين مثل قضية فلسطين والعراق ، فتخاذلنا عن ذلك هو أكبر إهانة نوجهها نحن لرسولنا الكريم .
وفى النهاية أتمنى ألا تتحول الإساءة إلى الإسلام والمسلمين إلى سبوبة يتعيش منها بعض الغربيين لحصد بعض الشهرة والأضواء علي حسابنا، مستغلين ردود أفعالنا التي تجعلهم إبطالا في نظر الغرب وشهداء لحرية الرأي والتعبير مثلما اعتبروا ذلك الرسام النكرة بطلا .