أكتوبر ٠٩، ٢٠٠٧

سقوط الدراما المصرية



كالعادة .. سقطت الدراما المصرية في اختبار شهر رمضان وكان لسقوطها وجهين ، مرة أمام المُشاهدين الذين ملوا من تكرار نفس الأفكار والأخطاء كل عام ، ومرة أمام الدراما السورية التي اتسمت أعمالها بالتنوع والثراء ومناقشة قضايا جادة ومهمة وتحمل رسالة وهدفاً تريد توصيلها للمشاهدين .
يمكن تلخيص أسباب سقوط وفشل الدراما المصرية في الأسباب التالية :

أولاً :
كعادة المسلسلات المصرية ولسنوات طويلة ، اتسمت الأعمال الدرامية المصرية بالمَط والتطويل والحشو الزائد وإدخال أحداث غير مؤثرة وهامشية ليَبلغ عدد الحلقات الثلاثين أو أكثر ، وذلك بسبب الإعلانات ورغبة الأبطال في عرض مُسلسلاتهم في رمضان بالإضافة لرغبتهم في تنفيذ عمل كبير وضخم من حيث عدد الحلقات حتى لا يقل أحدهم عن المسلسلات الأخرى .
كان المط والتطويل سمة أساسية في معظم الأعمال الدرامية للكِبار ، مثل مسلسلات ( يتربى في عزو ) الذي لا تستحق فكرته كل تلك الحلقات وحشر شخصيات لا لزوم لها ، ومسلسل (الدالي ) الذي وقع في فخ استرجاع أحداث قديمة وعلاقات شخصية كثيرة بين أبطال المسلسل .
أما مسلسل ( قضية رأي عام ) فيُعتبر النموذج الأوضح في هذا المجال ، فالفكرة يُمكن تنفيذها في فيلم سينمائي أو سهرة درامية ، وقد نفذت الفكرة بالفعل في أكثر من عمل سينمائي مثل فيلم ( المغتصبون ) لليلى علوي والذي يُعتبر المسلسل نُسخة منه ، وفيلم ( اغتصاب ) لفاروق الفيشاوي وأحمد بدير ، بالإضافة إلى خيالية بعض الأحداث وعدم منطقيتها ، مثل القبض على ابن الوزير المشهور ( قام بدوره رياض الخولي ) فرياض الخولي يقوم بدور وزير قوي في الحكومة والحزب الوطني ومُرشح لرئاسة الوزراء ، وعندما يتم القبض على ابنه تتخلى عنه الحكومة والحزب ويتمسك رجال الداخلية بتطبيق القانون عليه ، مع تأكيد مُستمر وساذج من أبطال العمل على أنه هناك قانون في البلد ولا أحد فوق القانون ، وهو ما لا يحدث بالمرة في الواقع .

مسلسل آخر هو رجل غنى فقير جداً ، لمحمد صبحي ، والذي قام بتأليفه وإخراجه أيضاً ، وليس هذا غريباً على محمد صبحي فهو يحرص دائماً على التحكم في كل شيء في أعماله حتى عندما كان يقوم بإخراجها مخرج آخر غيره ، مثل سلسلة ( يوميات ونيس ) التي أخرجها أحمد بدر الدين .
نفس الممثلين تجدهم في كل أعمال محمد صبحي ، ووضح بشدة التطويل والحشو الزائد بالشخصيات والأحداث المُفتعلة التي تستمر لعدة حلقات ، وافتعال مواقف كوميدية تكررت كثيراً في أعمال صبحي ، فمحمد صبحي يُجيد العمل في المسرح فقط وعندما ينتقل إلى السينما أو التليفزيون يفشل ما عدا بعض الأعمال القديمة .
بالإضافة إلى مسلسلات ( حنان وحنين ، امرأة فوق العادة ، نقطة نظام ، حق مشروع ، أزهار ) ومعظم الأعمال الأخرى اشتركت في نفس العيب .

ثانياً :
تدور أحداث معظم المسلسلات في عالم رجال الأعمال ومشاكلهم وقضاياهم ، ولا تتواءم أبداً مع حالة الغليان التي يمر بها المجتمع المصري حالياً ، من إضرابات واعتصامات ومظاهرات ،ومشاكل العمال والفلاحين والفساد ومشكلة مياه الشرب والبطالة ، تلك القضايا التي لم تجد أي كاتب يتصدى للكتابة عنها ، فأبطال معظم المسلسلات رجال أعمال وأثرياء مثل مسلسلات (الدالي ، رجل غنى فقير جداً ، حق مشروع ، حنان وحنين ) وحتى يسرا في مسلسل ( قضية رأي عام ) على الرغم من أنها ليست سيدة أعمال إلا أنها تعمل رئيسة قسم في مستشفى القصر العيني ، ودكتورة في الجامعة وتسكن فيلا فاخرة .
تبدو مشاكل أبطال تلك الأعمال إما عاطفية أو صراع بين رجال الأعمال أو رغبتهم في جمع الملايين من أجل تحقيق أهدافهم




ثالثاً لا وجود للطبقة الوسطى في الدراما المصرية ، فالشخصيات إما ثرية أو فقيرة ، ولا وجود للطبقة المتوسطة

رابعاً باستثناء مسلسلات ( الملك فاروق ، الإمام الشافعي ، مَن أطلق الرصاص على هند علام ، نقطة نظام ) فإن الدراما المصرية ابتعدت نهائياً عن مناقشة أي قضايا تاريخية أو سياسية أو أدبية ، واقتصرت على المسلسلات الاجتماعية وبشكل لا يثير حماس أو غضب أحد ، حتى تلك الأعمال السابقة جمعت كل عيوب الدراما المصرية في المُعالجة ، وتعرض مسلسل ( نقطة نظام ) إلى حذف عدد من مشاهده ، و تميز (الإمام الشافعي ) بفقر الإمكانيات والديكورات بشكل يدعو إلى الرثاء ، و ( مَن أطلق الرصاص على هند علام) يبدو كدعاية للدعوة التي أطلقها جمال مبارك لإحياء المشروع النووي المصري ، أما الأعمال الأخرى فلاتحمل أي رسالة أو هدف سوى التأكيد على أن النجاح الوحيد هو النجاح في جمع الأموال وامتلاك كل شيء ، وتناقش قضايا هي أبعد ما تكون عن اهتمام المشاهدين ، هذا إذا لم تكن تهدف إلى مجرد التسلية مثل مسلسل (يتربى في عزو ) .

خامساً :
تتسم الدراما المصرية بتنميط وقولبة الشخصيات ، وهي سمة موجودة على مدار سنوات الدراما المصرية ، فالشخصيات إما أن تكون طيبة بالإطلاق أو شريرة بالإطلاق ، ولا توجد شخصيات متوسطة بين الخير والشر أو مُتقلبة بينهما والتي تتراوح تصرفاتها ومشاعرها بين الخير والشر مثل الواقع ، فالبطل دائماً شخصية طيبة مُحاط بالأشرار الذين يُحاربونه ولكنه ينجح في آخر العمل في القضاء عليهم بمساعدة الطيبين أمثاله ، ولكن هذا العام نجح عمل واحد فقط في النجاة من ذلك الخطأ وهو ( الملك فاروق ) والذي نجح في تناول شخصية الملك فاروق بطريقة موضوعية .

سادساً :
كالعادة تدور الأعمال الدرامية المصرية حول فلك النجم الأوحد الذي يظهر في معظم المَشاهد ويشترك في معظم الأحداث ، أما الأعمال التي تقوم ببطولتها مُمثلات ، فيقُمن فيها باستعراض ملابسهن و تسريحات شُعرهن حتى لو كن في مواقف أو أدوار لا تسمح بذلك ، فتجد البطلة مُستيقظة من النوم وشعرها في غاية النظام والأناقة ، أو فقيرة وترتدي ملابس فاخرة ، وتقوم النجمات باستعراض أطقم الملابس المتعددة التي يمتلكونها ، لذلك تُفضل النجمات القيام بأدوار سيدات المجتمع الأثرياء مثل ( نادية الجندي ، إلهام شاهين ، يسرا ،سميرة أحمد)

سابعاً :
تتسم ديكورات الأعمال بالفقر الشديد والنمطية ، وتتكرر نفس الديكورات في أكثر من عمل ، بسبب توجيه معظم ميزانية العمل إلى أجور للأبطال ، ظهر هذا واضحاً في مسلسل (عمارة يعقوبيان ) الذي تحول إلى نسخة باهتة للغاية من الفيلم ، وكذلك (الإمام الشافعي )

ثامناً :
يبدو أن النجوم الكبار قد نسوا أو تناسوا المرحلة العمرية التي يمرون بها ، فمعظمهم يصر على الظهور في سن أصغر من عمره الحقيقي بمراحل ، وحتى إذا ظهر في سن كبيرة في المسلسل ، فانه يقوم بتمثيل لقطات الفلاش باك ليمثل دور شاب في العشرين من عمره ، باستثناء يحيى الفخراني ويسرا . فنادية الجندي تظهر في لقطات الفلاش باك كطالبة جامعية في العشرينات من عمرها ،وإلهام شاهين تظهر في دور امرأة يتهافت عليها الرجال طلباً لودها ، ولوسي التي تبلغ من العمر 50 عاما تظهر في الثلاثينات من عمرها



تاسعاً :
مازال التلفزيون المصري يضع العقبات أمام المَشاهد الجريئة والأفكار التي تحمل مضموناً مختلفاً ، عن طريق الاعتراض على تلك المشاهد وحذفها ، فيما تُعرض كاملة على المحطات الأخرى ، مما يضطر المؤلفين إلى محاولة تجنب ذلك من البداية ، ومحاولة إخلاء مسلسلاتهم من أي أفكار جريئة ، مما جعل معظم المسلسلات مُتشابهة ، ويستطيع المُشاهد تخمين النهاية منذ منتصف أحداث المسلسل .
قامت الرقابة بحذف مشهد دفن الأسرى أحياء في مسلسل نقطة نظام وجزءاً من الإهداء الذي كتبه المؤلف في البداية ، كما حذفت الرقابة عشر دقائق من مشهد الاغتصاب في مسلسل (قضية رأي عام ) ، وأيضاً ( الإمام الشافعي ) الذي حُذف منه عدد كبير من المَشاهد .
ولذلك يلجأ بعض المؤلفين من البداية إلى جهات إنتاجية أخرى لإنتاج أعمالهم مثل مسلسل(الملك فاروق) الذي أنتجته قناة أم بي سي وذلك لضمان عدم حذف أي مشاهد من ناحية ، وضمان الإنفاق الجيد على العمل بشكل جيد من ناحية أخرى .
فيبدو أن التليفزيون المصري نسى أن هناك جهات إنتاجية أخرى قد دخلت سباق الإنتاج وأنه لم يَعُد الجهة الوحيدة لإنتاج الأعمال التليفزيونية ، فقنوات دبي و MBC تنتج الآن عدداً كبيراً من المسلسلات وتعرضها حصرياً على شاشتها ، فلم يعد المؤلفون مضطرون بعد الآن إلى عرض أعمالهم على رقابة التليفزيون بعد الآن .
يتبقى بعد كل ذلك عملين نجحا في الإفلات من كثير من تلك العيوب والنقائص ، وأعادا بعض الأمل في إمكانية تقديم دراما مصرية قوية ومبهرة ومؤثرة .
أول العملين هو ( المصراوية) الذي يؤكد عبقرية مؤلفه الكاتب الكبير ( أسامة أنور عكاشة ) صاحب الروائع المتميزة ( ليالي الحلمية ،الشهد والدموع ، زيزينيا ) ويؤكد جدارته بلقب ( عمدة الدراما المصرية ) ، وربما لهذا السبب لم يعرض المسلسل أرضيا !! وهذا العمل هو بداية سلسلة من الأجزاء تتناول رصد تطورات المجتمع المصري خلال القرن العشرين ، ويطمح الثُنائي (عكاشة وإسماعيل عبد الحافظ ) إلى تقديم أربعة أجزاء أخرى مثل سلسلة ( ليالي الحلمية ).
أما العمل الثاني هو ( الملك فاروق ) الذي يُعد أكثر الأعمال المصرية تميُزاً وحرفية وإبهاراً هذا العام ، حيث يحتوي على مشاهد بصرية عالية الجمال والدقة التاريخية في الديكورات وتناوله الموضوعي للأحداث التاريخية ، وساهم تصويره شبه السينمائي في جذب المشاهدين لمشاهدته ، وقد تكلفت الديكورات وحدها مليون و 700 ألف جنيه ، وجذب الممثل السوري ( تيم حسن ) الانتباه بأدائه الجيد والممتع .
وفى النهاية ما لم تحاول الدراما المصرية تجنب عيوبها المتكررة التي تتكرر بنفس التفاصيل كل عام ،فان المشاهدين سيبدأون في تركها حتى لا يصابوا بالملل ومتابعة أعمال أخرى مثل الدراما السورية التي تتحرك بخطى ثابتة تجاه أنظار المُشاهد العربي
أسامة الرشيدى

أكتوبر ٠١، ٢٠٠٧

سبعة أيام فى السعودية


هذه بعض من مشاهداتى فى السعودية عندما كنت أقوم بالعمرة منذ حوالى شهرين وقضيت
هناك سبعة أيام
كتبتها فى موضوع وسميته
سبعة أيام فى السعودية

بعيداً عن صخب الحياة وتعقيداتها، والسياسة ومتاعبها، وصراع البشر وشرورهم ، تقع مكة قبلة المسلمين ومركز الكرة الأرضية ، يأتي إليها جميع الأجناس من جميع أنحاء العالم ،من بلدان وقارات مختلفة ويتحدثون لغات متعددة، قادمين ليُلبوا النداء مُستجيبين لدعوة سيدنا إبراهيم المستمرة إلى الآن بأن يجعل الله هذا البلد آمناً مطمئناً ، وأن تحل فيه البركة والرزق الوفير ، وأن يأتي إليه الناس من كل مكان لإعماره



شعور قوي بالرهبة يُسيطر على النفس عند رؤية المسجد الحرام ومآذنه من الخارج ، حيث يأتي الناس وكل ما يشغل بالهم هو إرضاء الخالق عز وجل ، حيث الصلاة الواحدة بمائة ألف صلاة ، حيث يوجد بيت الله الحرام ، أعظم البيوت وأقدسها على الإطلاق.
كان الفندق الذي أقمنا فيه قريباً جداً من الحرم ، أما أكثر ما يشغل الذهن في البداية هو أداء العُمرة بشكل صحيح ،حتى يتقبلها الله ويتخلص الإنسان من ذنوبه وخطاياه الكثيرة ، وعودة للنقاء النفسي والتفكير في الآخرة بدلاً من التعلق بالدنيا .
ولله الحمد تمت العمرة في سهولة ويسر ، ومما ساعد على ذلك أننا قُمنا بها قبل صلاة الفجر مما خفف من الزحام المتواصل طوال اليوم .

عندما كنا نقوم بالسعي في ( الصفا والمروة) ، كنا ندعو بالخير لمَن يزيد البيت الحرام مهابة ، فكرت قليلا وقلت في نفسي : إن ملوك السعودية يقومون بتجديد المسجد الحرام باستمرار والإنفاق عليه ورعايته بشكل كبير ، أي أنهم يزيدونه مهابة ، هذا يعني أنني أدعو لهم رغم ما يمارسونه من احتكار للسلطة والثروة وحرمان الشعب منها وانتهاكات حقوق الإنسان المعروفة في المملكة ، ولكني رددت الدعاء أملاً في الاستجابة وهداية الله لهم
من السهل على الإنسان الالتزام وهو في مكة ، حيث تساعد الأجواء التي يكون فيها الإنسان على ذلك ، والتواجد المستمر في المسجد الحرام وأداء جميع الصلوات فيه ، لكن من الصعب الحفاظ على هذا الالتزام والسلام النفسي بعد ذلك ، وهذا هو التحدي الحقيقي ، فالمصريون هناك منتشرون جداً ، وهم أكثر الجنسيات التي تُقابلك هناك ، والفندق الذي كُنا مُقيمين فيه كان معظم رواده من المصريين ، فإذا كان هؤلاء قد حافظوا على التزامهم بعد رجوعهم إلى بلدهم ، هل كان سيكون هذا حالنا ، هل سيكون هناك الفساد والرشوة والمحسوبية والحقد والصراعات بين الناس ؟ ، هل يعتقدون أنهم بأدائهم العمرة قد تخلصوا من ذنوبهم مدى الحياة وبذلك يفعلون ما يحلو لهم من سرقة ونهب ؟ ، لم أستطع العثور على إجابة لهذا السؤال





استطعنا اختراق الزحام والوقوف أمام الكعبة مباشرة ، لمست الكعبة بيدي ودعوت الله بكل ما أريده في دنيتي وآخرتي ، فأنا أمام بيت الله الحرام مباشرة ،لا يوجد مسافات أو عوائق.
أما الزحام حول الحجر الأسود لا يتوقف على الإطلاق ، مجموعات كثيرة جداً تحاول بشتى الطُرق الوصول إليه وتقبيله مباشرة ، على الرغم من أنه يجوز تقبيله عن بُعد عن طريق تقبيل اليد وتوجيهها إليه من بعيد ، وذلك ما إذا كان تقبيله مباشرة يلحق الأذى بالمسلمين بسبب التزاحم والفوضى ، لكن كثيرين لا يقتنعون بذلك ويصرون على تقبيله مباشرة مما يؤدي إلى زحام رهيب أمامه وتدافع شديد وأحياناً الضرب ، أين هؤلاء من قول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( والله أني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله يُقبلك ما قبلتك )

عندما خرجت من الحرم وجدت مفاجأة، ( بيتزا هت ) و ( كنتاكي) يوجد لهما فرعان أمام الحرم مباشرة ، لم يتركوا مكاناً حتى أمام الحرم ، وأسعار الوجبات فيهما أغلى من أسعارها في فروعهما في أي مكان آخر ، يبدو أنهم يُقدرون مكانة مكة جيداً ويُقدسونها ولكن على طريقتهم ، فيسعون إلى أخذ بعضاً من بركة الحج والعمرة من زوار الحرم

على الرغم من أن مياه زمزم مُتاحة للجميع في أي وقت وبأي قدر ، إلا أن هناك خارج الحرم مجموعة من البائعين يبيعون تلك المياه في جراكن كبيرة ، فما عليهم إلا أن يدخلوا ويملئوا تلك الجراكن ثم يقفون لبيعها للمُعتمرين ، أي أنهم ( بيبعوا الهوا في أزايز) ، فكل مايتكلفونه هو ثمن الجراكن ، حيث أن بعض المُعتمرين يريدون أن يأخذوا أكبر قدر مُمكن من مياه زمزم قبل أن يغادروا إلى أقاربهم وأهلهم ، فيستغل هؤلاء البائعين رغبتهم في أخذ كميات كبيرة من تلك المياه في بيع تلك الجراكن ، والجركن الواحد يُباع بعشرة ريالات.

حزنت كثيراً عندما حضرت خطبة الجمعة بالمسجد الحرام ، حزنت أن تكون تلك الخطبة قد أُلقيت في أهم وأعظم وأقدس مكان عند المسلمين ، فالخُطبة تقليدية مُملة لا تؤثر في النفس على الإطلاق ، ولا تدعو إلى أي شيء ذي بال ، وهي تُجسد التحالف غير المحمود بين الوهابية والأسرة الحاكمة ، فالخُطب جميعها تقتصر على موضوعات هامشية مُكررة وغير مهمة من نوعية ( أن الصلاة في المساجد التي بها قبور لا تجوز) وموضوعات أخرى لا صلة لها بالواقع، أما في ختام الخطبة فيقوم الخطيب بالدُعاء للملك بأن ينصره الله ويوفقه وكأننا مازلنا في العصور الوسطى .
لا أحد يتحدث عن مظاهر الظُلم والفساد والاستبداد والديكتاتورية واحتكار الثروة والسلطة والقهر الذي تتعرض له المرأة السعودية ، لا أحد يتحدث عن وجوب مقاومة كل ذلك ، لكن في النهاية هذه هي طبيعة كل النُظم الاستبدادية ، تحرص دائماُ على ترويض المؤسسات الدينية وتوجيه الشعور الديني إلى طريق أخر

في مكة ينتشر مجموعة من البائعين يفترشون الأرض لعرض بضائعهم المختلفة ، لاحظت أن كلهم أفارقة ، وعرفت أن هؤلاء كانوا عبيداً جاءوا من أفريقيا ، والآن لا يستطيعون العودة لبلادهم ولا الحصول على الجنسية السعودية رغم وجودهم منذ مئات السنين ، ويعيشون في فقر شديد ولا يمتلكون غير بضاعتهم ، فهي كل ما يملكون







من المُلاحظ أن المتاجر يعمل بها سعوديون كثيرون ومنهم مَن يعمل في وظائف بسيطة ، وهو أمر قد يبدو مفاجئاً في بلد يتمتع بهذه الثروات ، إلا أنه في الواقع أن السعودية تتزايد فيها معدلات الفقر والبطالة باستمرار رغم ثرواتها البترولية ، لذلك هناك اتجاه إلى ( سعودة ) الوظائف ، أي تعيين سعوديين فيها للقضاء على البطالة


توجد شعبة في وزارة الداخلية السعودية تسمى ( المُجاهدون ) لكم أن تتصوروا صورة هؤلاء المُجاهدون ، لابد أن يكونوا أُسوداً يحتملون أقسى الظروف وأصعبها ، هذا ما كنت أتصوره ، إلا أنني رأيت أحدهم ذات مرة في أحد الشوارع ، كان واقفاً مُرتدياً نظارة شمسية لتقيه أشعة الشمس ومُمسكاً بزجاجة مياه معدنية في يده ، ضحكت بشدة ، إذ يصعب على الإنسان أن يتصور أحداً يُجاهد بالنظارة الشمسية والمياه المعدنية .

أما عن الفول فهو لا يترك المصري أينما ذهب،فهناك الكثير من المطاعم التي تبيع الفول بأنواع كثيرة ويشتريه كل الناس، أكثرهم بالطبع هم المصريون الذين يبدو أنهم لم يتحملوا فُراقه تلك الأيام المعدودة

هناك الكثير من المظاهر في المجتمع السعودي التي تُجسد سيطرة الفكر الوهابي المُتشدد وسيطرته على المجتمع السعودي ، فالنساء يُعاملن معاملة الأشياء التي لا تستحق أي اهتمام ،ولا يجوز لها قيادة السيارات، أما المراكز التجارية ( المولات ) فمحظورة على الأفراد ، فهي مُقتصرة على العائلات فقط ،ومعظم الأماكن مُقتصرة على العائلات فقط ، ولا توجد أي دار سينما على الإطلاق في البلد كلها.

وأكثر ما أثارني هي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر لأنها تسيطر على المجتمع السعودي سيطرة كاملة فإذا كنت واقفاً لا تفعل أي شيء ، قد يأتي إليك أحد أفرادها ليسألك عما تفعل ، وإذا كان ردك لا يُعجبه من الممكن أن يقبض عليك ، وممنوع حلاقة الذقن في صالونات الحلاقة حيث يعتبرون ذلك إثماً ، وهو ما يجعلك تتعجب من أن خادم الحرمين الشريفين نفسه يفعل ذلك الإثم فهو حليق الوجه ما عدا بضعة شعيرات حول فمه ، ومع ذلك على أحد يعترض على ذلك

الإثم ،وعندما توجهنا إلى أحد المطاعم لتناول الغداء ، أخبرنا أحد العاملين فيه أن المطعم مُغلق للصلاة ، على الرغم من أن موعد الصلاة كان بعد ساعة كاملة ، فهناك لابد أن تغلق المتاجر والمطاعم وقت الصلاة ، ومَن يبقى متجره مفتوحاً يتعرض للضرب و يُقبض عليه ، وكأن الصلاة بالإجبار والأمر


وعندما أخذت أتساءل عن الهيئة سمعت عن تزايد تجاوزات رجالها التي وصلت إلى حد حدوث عدة حالات وفاة تعرض لها أشخاص في مراكز الاحتجاز التابعة للهيئة ، وهناك مَن تعرض إلى الضرب حتى الموت ، وهو الأمر الذي أطلقت له دعوات في الصحافة المحلية تُطالب بإعادة النظر في دور الهيئة والحد من سُلطاتها ، الأمر الذي دفع وزارة الداخلية إلى إصدار قرار يقضي بمنع رجال الهيئة من التحقيق مع مَن يتم القبض عليهم أو احتجازهم في مراكز الاحتجاز التابعة للهيئة ، وتحويل المقبوض عليهم فوراً إلى مراكز الشرطة الرسمية
وقد أصدر مفتى السعودية بياناُ ناشد فيه رجال الهيئة بضرورة الرفق واللين مع المواطنين ، ومعاملتهم معاملة طيبة
وفى تصريحات لأحد أعضاء مجلس الشورى السعودي لوسائل إعلام أجنبية أكد فيها أن من بين أكثر من 40 ألف حالة ضبط قامت بها الهيئة تبين أن حوالي 90 في المائة منها كانت خاطئة ، أي أن 10 في المائة فقط كانت مُستوفاة للشروط القانونية
ولذلك تُسبب الهيئة العديد من المشكلات ، فهي تربط الإسلام بالقَهر والإجبار والمظاهر الخارجية والشكل الخارجي ، فالمجتمع يبدو ظاهرياً خالياً من مظاهر الرذيلة ، ولكن كل شيء يتم في الخفاء ، من مُخدرات ودعارة وخمر وشذوذ ، الهيئة أيضاً تربط الإسلام بالحدود الجغرافية ، فما أن يخرج المواطن من بلده حتى يندفع ليقوم بكل ما لا يستطيع عمله في بلاده ، ولذلك فكثير منهم يذهب في الصيف إلى لبنان ومصر وأوروبا وأمريكا للتمتع بحريتهم المفقودة في مجتمعهم ، وهو ما يفسر سلوك بعض السُياح العرب في كازينوهات شارع الهرم وأخيراً أريد أن أقول لكم أكثر ما أثار دهشتى وسيُثير من دهشتكم .. إن الفندق المواجه للفندق الذي أقيم فيه مباشرة يسمى ( فندق قصر مبارك ) ،وكأن ليس الفول فقط مَن يأبى أن يتركنا لبضع أيام
فمبارك علينا جميعا
أسامة الرشيدى