يونيو ٠٧، ٢٠١١

الشيعة المصريون.. بين مطرقة الرفض الحكومي وسندان العزل الشعبي

في حي الحسين بالقاهرة وعلى مقربة من الجامع الأزهر أكبر منبر للمسلمين السنة في العالم، يوجد مسجد الأنور كما يطلقون عليه، أو مسجد الحاكم بأمر الله، المكان المتعارف عليه لتواجد الشيعة المصريين حيث يؤدون فيه صلاتهم ولا يخلو الأمر من بعض الدروس الدينية والاحتفالات أحيانا، مما قد يؤدي بهم إلى المواجهة مع السلطات التي تمنع تلك الممارسات.

دخلت إلى المسجد، تعرفت على حسين عبد الودود صاحب محل عطارة بالحسين الذي عبر عن غضبه من الدولة لعدم اعترافها بالشيعة رغم أن عددهم في مصر قد يصل لأكثر من مليون شخص, فقال: "يجب أن يتم الاعتراف بنا وأن يرد إلينا اعتبارنا لأننا نتعرض للحصار والتضييق، فالدولة على سبيل المثال ترفض منحنا تصاريح لبناء مساجد، كما أنها منعتنا من إنشاء جمعيات أهلية شيعية".

اتفق معه أحمد الخطاب، شيعي، الذي أكد أن مطالب الشيعة لا تتخطى الاعتراف بهم ومن ثم السماح لهم ببناء مساجد وممارسة طقوسهم والسماح لهم بإضافة شهادة ثالثة في الآذان وهي "أشهد أن علي أمير المؤمنين", فضلاعن مقطع آخر و هو ""حي علي خير العمل". و يؤكد الخطاب قائلا: "تلك الإضافات لا يختلف عليها سني أو شيعي لكنها ضرورية حتى يصبح الآذان صحيحا وتصح صلاتنا".

و في جانب آخر، شدد المصري الشيعي علي أبو طالب على حق الشيعة في الاعتراف الرسمي بهم، وقال: "تقدمنا بطلب إلي إدارة الشئون الدينية بوزارة الداخلية حتى يتم الإقرار بوجود الشيعة كطائفة دينية رسمية في مصر, وأن هذه الجماعة لا يشكل أفرادها أي خطر علي أمن البلاد والوحدة الوطنية, إلا أن الوزارة تجاهلت هذا الطلب ولم ترد عليه حتى الآن".

"نعاني من سوء معاملة جيراننا وزملائنا في العمل والمجتمع من حولنا باعتبارنا كافرين أو عملاء، فغالبا ما تلصق بنا الحكومة تهم الموالاة لإيران أو لحزب الله"، هذا ما أكدته فاطمة الزهراء التى ترى أن اضطهاد الشيعة ليس رسميا فحسب, فنبذهم من الأشياء النادرة التي يتفق عليها الشعب والحكومة معا، حسب قولها.

أما محمد تقي الله، تاجر الأخشاب فأكد: "نحن مصريون حتى النخاع ونريد فقط أن نحصل علي حقوقنا في بلدنا، فمثلما يوجد للمسلمين السنة مساجدهم ويتمتعون بالحرية التامة في أداء شعائر دينهم وللأقباط كنائسهم التي يتعبدون فيها بحرية فمن حقنا كمصريين شيعة أن تكون لنا مساجد خاصة بنا لنمارس فيها طقوسنا بدون أي خوف أو تهديد بالقبض علينا في أي لحظة" وأضاف: "الاضطهاد الشعبي أقسى من التعسف الرسمي، إذ يرفض السنة الزواج منا بل وحتى التعامل معنا، رغم أن المجتمع المصري شيعي بالأساس منذ العهد الفاطمي ويمارس العديد من الطقوس الشيعية ويحب آل البيت".

وأشارت سيدة، طلبت عدم ذكر اسمها، إلى أن أبنائها قد تعرضوا للاعتقال والسجن في أعقاب القبض على خلية حزب الله بمصر، مؤكدة على أن السلطات ربطت بينهم كشيعة وبين القضية.

وقالت: "نعاني نحن الشيعة المصريون من العزل العنصري الذي يمارسه الشعب بالتواطؤ مع الحكومة، وأذكر أني حين تقدمت بطلب لضم طفلي إلى إحدى المدارس القريبة منا وأخبرت الموظفة أننا شيعة رفضت الطلب، فما كان مني إلا أن أخفيت الأمر عن الجميع حتى نعيش بسلام".

"ليس هناك أسوأ من حرمان الإنسان من حرية المعتقد والتعبير عنه"، هذا هو الظلم الأكبر الذي يتعرض له الشيعة في مصر حسبما يري المفكر الشيعي الدكتور أحمد راسم النفيس، الذي يؤكد أنه بمجرد أن يعرف عن أحد الأشخاص أنه شيعي إلا وتبدأ المضايقات والمعاملة السيئة.

وأكمل قائلا: "حتى أني أثناء إعدادي لرسالة الدكتوراه تم اعتقالي مرتين وتعرضت لضغوط حتى لا أحصل علي الدرجة العلمية التي أستحقها".

و يرفض النفيس الاتهامات التي تكيلها الحكومة للشيعة بالموالاة لحزب الله وإيران، لكنه أكد في الوقت ذاته أن جميع القوى السياسية في مصر لها درجة أو أخرى من الموالاة للخارج، موضحا أن الوهابية موالية للسعودية التى تمولها تماما كما كانت الشيوعية موالية لروسيا في الستينات من القرن الماضي. وقال: "ومع ذلك فهي أكذوبة ونوع من التهم المعلبة التي يلصقها النظام الحاكم بكل من يتعرض له ولا يثني عليه".

كما أوضح النفيس أن القانون لا يمنع الشيعة من إقامة مساجد إلا أن مصر دولة لا يحكمها القانون بل مزاج النظام وهواه، على حد تعبيره، كما اختلف مع من يرى أن الشيعة يعانوا من العزل الاجتماعي وعبر عن ذلك قائلا: "المجتمع المصري ليس طرفا في النزاع وليس له موقف عدائي من الشيعة".

"السلطة في مصر تريد حصر الدين في مجرد عدد من المؤسسات الرسمية الخاضعة له، والأزهر يعيش حالة من التخبط، فتارة نسمع عن عدم قبول طلاب شيعة في الأزهر وتارة نسمع نفيا لهذا الموضوع"، هذا ما أشار إليه النفيس مؤكداً على أن حجج الأزهر في تعامله مع الشيعة سياسية في المقام الأول، على حد تعبيره.

لكن في المقابل, يري راسم النفيس أن الأزهر شهد تطورا إيجابيا يتمثل في كثرة العلماء الأزهيين الذين باتوا لا ينكرون علي الشيعة مذهبهم، بالإضافة إلى اعتراف المؤسسات الدينية الرسمية بإستثناء المؤسسة الوهابية بالشيعة كمسلمون وليسوا كفارا.

وعن العلاقة بين السنة والشيعة في مصر يشير النفيس إلى أن المجتمع بكل فئاته لا يتمتع بالصحة النفسية ومصاب بالأمراض الفكرية التي لا تمكنه من تقبل الرأي الآخر، وتجعله ينحاز مسبقا دون النظر إلي الأمور بموضوعية، حسبما قال.

ويؤكد راسم النفيس قائلا: "الشيعة حركة من داخل الإسلام ومن عمق التراث وليست حركة شيوعية أو صهيونية"، ويضيف مستنكرا: "من يتحدث عن وجود حركة تشيع فهو واهم، حب آل البيت والانتماء له موجود ومتجذر في المجتمع المصري، والمسلمون كانوا ومازالوا أمة واحدة".

وعلى صعيد آخر، يري الشيخ علاء أبو العزايم رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية وعضو مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية في إيران وعضو دار التقريب بالقاهرة، أن الخلاف فيما بين الإثنى عشرية، أكبر فرقة شيعية في الوقت الراهن، وبين السنة لا يتجاوز 5 % في الفروع والأصول، وهو الرأي الذي أيده الشيخ علي جمعة, مفتي الجمهورية في إحدى الندوات التي عقدتها الطريقة العزمية.

و استنادا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي" أي أهل بيتي، يري أبو العزايم ضرورة أن يجمع المسلم بين المذهبين لأن الذي لا يحب آل بيت رسول الله ليس ناجيا بل من الضالين.

و يضيف: "علينا التوسع في طرح أفكار الشيعة عند الحديث عنهم من أجل إقناع الناس بأن فكرهم مثل فكرنا بهدف تحقيق التقريب"، مؤكدا علي أن توحيد المسلمين سنة وشيعة يقضي علي الخلافات الفرعية التي يتحدث عنها البعض من وقت لآخر مثل مطالبة الشيعة ببناء مساجد خاصة بهم، إذ سيصبح لكل المسلمين مسجدا واحدا دون تمييز بين سني وشيعي، "فأنا شخصيا لا أعترف بمسمى شيعة أو سنة" علي حد قوله.

كما شدد على أنه "لا فرق بين شيعي وسني لأن المسلم الحقيقي هو المتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمحب لأهل البيت، فإذا فقد إحداها فقد جزءأ من إسلامه".

و يعلل أبو العزايم مطالبته بضرورة التقرب إلى إيران, إلى أنها قوة عظمى في العالم الآن و يمكنها مساعدة العرب في حال حدوث أي اعتداءات.

ولا يستطيع أحد الجزم بعدد الشيعة في مصر، فوفقًا لتقرير الحالة الدينية للخارجية الأمريكية يقدر عدد الشيعة في مصر بـ750 ألف شخص، بينما تزيد تكهُّنات محمد الدريني –الأمين العام للمجلس الأعلى لآل البيت- من هذا الرقم، مشيرًا إلى أنه يعتقد أن عدد الشيعة يفوق هذا العدد بكثير، على اعتبار أن هناك ما يزيد على عشرة ملايين صوفي في مصر، ويوجد بينهم ما لا يقل عن مليون يتبعون الفكر الشيعي -وحسب اعتقاده- فإن كثيرا من الشيعة في مصر لا يعلنون عن معتقدهم نتيجة الضغوط الأمنية والإعلامية.

ورغم اليقين بعدم إمكانية الجزم بعدد الشيعة في مصر، فضلاً عن أماكن تركزهم فإنهم موجودون في المجتمع، ولا يمكن تجاهلهم أو التقليل من شأنهم، أو إنكار امتداد تأثير الفترة الشيعية التاريخية على الواقع المصري إلى الحد الذي وصف "الخميني" -زعيم الثورة الإسلامية الإيرانية- مصر بأنها "سنية المذهب، شيعية الهوى"، فالاحتفالات بموالد آل البيت (مولد الحسين، والسيدة زينب، والسيدة نفيسة) لا تفرق بين سني وشيعي، ويحتفل لها ملايين من المنتمين للحركات الصوفية في مصر، كما يقدس المصريون آل بيت النبي محمد وقاموا بتسمية عدد كبير من المساجد باسمهم مثل "مسجد السيدة زينب- مسجد السيدة عائشة- مسجد السيدة نفيسة" وغيرهم.

ولا يعتبر التشيع تهمة في القانون المصري، فالبعض اعتنق المذهب الشيعي مثل الكاتب الصحفي صالح الورداني عام 1981، ثم تحول عنه عام 2006، وخلال فترة تشيعه أصدر أكثر من 15 كتابا عن الشيعة منها: "الحركة الإسلامية في مصر" و"الشيعة في مصر"، و"الكلمة والسيف"؛ كما شملت قائمة المتشيعين الشيخ "حسن شحاتة"، وهو خطيب مفوه كان مسجده قريبا من السفارة الإسرائيلية في مصر، وكان نجما تلفزيونيا حتى تم اعتقاله بتهمة تكوين تنظيم شيعي، وكذلك الدكتور "أحمد راسم النفيس" الأستاذ المساعد بكلية الطب جامعة المنصورة؛ والذي كان عضوا في جماعة الإخوان المسلمين حتى عام 1985، ثم انفصل عنها واتجه نحو التشيع.

أما التهم التي يتم توجيهها إلى كل التنظيمات الشيعية التي تم القبض عليها منذ الثمانينيات فتتراوح بين الحصول على تمويل أجنبي، وتحديدا من جهات إيرانية؛ وهي تهمة وجهت للكثيرين؛ والاتصال بجهات خارجية حيث اعتقل الدريني في مارس 2005 بتهمة التواصل مع الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، واللافت أنه لم ينسب إلى أي من تلك المجموعات الشيعية القيام أو الدعوة للقيام بأعمال تتصف بالتطرف والغلو.

ليست هناك تعليقات: