أكتوبر ٠٩، ٢٠٠٧

سقوط الدراما المصرية



كالعادة .. سقطت الدراما المصرية في اختبار شهر رمضان وكان لسقوطها وجهين ، مرة أمام المُشاهدين الذين ملوا من تكرار نفس الأفكار والأخطاء كل عام ، ومرة أمام الدراما السورية التي اتسمت أعمالها بالتنوع والثراء ومناقشة قضايا جادة ومهمة وتحمل رسالة وهدفاً تريد توصيلها للمشاهدين .
يمكن تلخيص أسباب سقوط وفشل الدراما المصرية في الأسباب التالية :

أولاً :
كعادة المسلسلات المصرية ولسنوات طويلة ، اتسمت الأعمال الدرامية المصرية بالمَط والتطويل والحشو الزائد وإدخال أحداث غير مؤثرة وهامشية ليَبلغ عدد الحلقات الثلاثين أو أكثر ، وذلك بسبب الإعلانات ورغبة الأبطال في عرض مُسلسلاتهم في رمضان بالإضافة لرغبتهم في تنفيذ عمل كبير وضخم من حيث عدد الحلقات حتى لا يقل أحدهم عن المسلسلات الأخرى .
كان المط والتطويل سمة أساسية في معظم الأعمال الدرامية للكِبار ، مثل مسلسلات ( يتربى في عزو ) الذي لا تستحق فكرته كل تلك الحلقات وحشر شخصيات لا لزوم لها ، ومسلسل (الدالي ) الذي وقع في فخ استرجاع أحداث قديمة وعلاقات شخصية كثيرة بين أبطال المسلسل .
أما مسلسل ( قضية رأي عام ) فيُعتبر النموذج الأوضح في هذا المجال ، فالفكرة يُمكن تنفيذها في فيلم سينمائي أو سهرة درامية ، وقد نفذت الفكرة بالفعل في أكثر من عمل سينمائي مثل فيلم ( المغتصبون ) لليلى علوي والذي يُعتبر المسلسل نُسخة منه ، وفيلم ( اغتصاب ) لفاروق الفيشاوي وأحمد بدير ، بالإضافة إلى خيالية بعض الأحداث وعدم منطقيتها ، مثل القبض على ابن الوزير المشهور ( قام بدوره رياض الخولي ) فرياض الخولي يقوم بدور وزير قوي في الحكومة والحزب الوطني ومُرشح لرئاسة الوزراء ، وعندما يتم القبض على ابنه تتخلى عنه الحكومة والحزب ويتمسك رجال الداخلية بتطبيق القانون عليه ، مع تأكيد مُستمر وساذج من أبطال العمل على أنه هناك قانون في البلد ولا أحد فوق القانون ، وهو ما لا يحدث بالمرة في الواقع .

مسلسل آخر هو رجل غنى فقير جداً ، لمحمد صبحي ، والذي قام بتأليفه وإخراجه أيضاً ، وليس هذا غريباً على محمد صبحي فهو يحرص دائماً على التحكم في كل شيء في أعماله حتى عندما كان يقوم بإخراجها مخرج آخر غيره ، مثل سلسلة ( يوميات ونيس ) التي أخرجها أحمد بدر الدين .
نفس الممثلين تجدهم في كل أعمال محمد صبحي ، ووضح بشدة التطويل والحشو الزائد بالشخصيات والأحداث المُفتعلة التي تستمر لعدة حلقات ، وافتعال مواقف كوميدية تكررت كثيراً في أعمال صبحي ، فمحمد صبحي يُجيد العمل في المسرح فقط وعندما ينتقل إلى السينما أو التليفزيون يفشل ما عدا بعض الأعمال القديمة .
بالإضافة إلى مسلسلات ( حنان وحنين ، امرأة فوق العادة ، نقطة نظام ، حق مشروع ، أزهار ) ومعظم الأعمال الأخرى اشتركت في نفس العيب .

ثانياً :
تدور أحداث معظم المسلسلات في عالم رجال الأعمال ومشاكلهم وقضاياهم ، ولا تتواءم أبداً مع حالة الغليان التي يمر بها المجتمع المصري حالياً ، من إضرابات واعتصامات ومظاهرات ،ومشاكل العمال والفلاحين والفساد ومشكلة مياه الشرب والبطالة ، تلك القضايا التي لم تجد أي كاتب يتصدى للكتابة عنها ، فأبطال معظم المسلسلات رجال أعمال وأثرياء مثل مسلسلات (الدالي ، رجل غنى فقير جداً ، حق مشروع ، حنان وحنين ) وحتى يسرا في مسلسل ( قضية رأي عام ) على الرغم من أنها ليست سيدة أعمال إلا أنها تعمل رئيسة قسم في مستشفى القصر العيني ، ودكتورة في الجامعة وتسكن فيلا فاخرة .
تبدو مشاكل أبطال تلك الأعمال إما عاطفية أو صراع بين رجال الأعمال أو رغبتهم في جمع الملايين من أجل تحقيق أهدافهم




ثالثاً لا وجود للطبقة الوسطى في الدراما المصرية ، فالشخصيات إما ثرية أو فقيرة ، ولا وجود للطبقة المتوسطة

رابعاً باستثناء مسلسلات ( الملك فاروق ، الإمام الشافعي ، مَن أطلق الرصاص على هند علام ، نقطة نظام ) فإن الدراما المصرية ابتعدت نهائياً عن مناقشة أي قضايا تاريخية أو سياسية أو أدبية ، واقتصرت على المسلسلات الاجتماعية وبشكل لا يثير حماس أو غضب أحد ، حتى تلك الأعمال السابقة جمعت كل عيوب الدراما المصرية في المُعالجة ، وتعرض مسلسل ( نقطة نظام ) إلى حذف عدد من مشاهده ، و تميز (الإمام الشافعي ) بفقر الإمكانيات والديكورات بشكل يدعو إلى الرثاء ، و ( مَن أطلق الرصاص على هند علام) يبدو كدعاية للدعوة التي أطلقها جمال مبارك لإحياء المشروع النووي المصري ، أما الأعمال الأخرى فلاتحمل أي رسالة أو هدف سوى التأكيد على أن النجاح الوحيد هو النجاح في جمع الأموال وامتلاك كل شيء ، وتناقش قضايا هي أبعد ما تكون عن اهتمام المشاهدين ، هذا إذا لم تكن تهدف إلى مجرد التسلية مثل مسلسل (يتربى في عزو ) .

خامساً :
تتسم الدراما المصرية بتنميط وقولبة الشخصيات ، وهي سمة موجودة على مدار سنوات الدراما المصرية ، فالشخصيات إما أن تكون طيبة بالإطلاق أو شريرة بالإطلاق ، ولا توجد شخصيات متوسطة بين الخير والشر أو مُتقلبة بينهما والتي تتراوح تصرفاتها ومشاعرها بين الخير والشر مثل الواقع ، فالبطل دائماً شخصية طيبة مُحاط بالأشرار الذين يُحاربونه ولكنه ينجح في آخر العمل في القضاء عليهم بمساعدة الطيبين أمثاله ، ولكن هذا العام نجح عمل واحد فقط في النجاة من ذلك الخطأ وهو ( الملك فاروق ) والذي نجح في تناول شخصية الملك فاروق بطريقة موضوعية .

سادساً :
كالعادة تدور الأعمال الدرامية المصرية حول فلك النجم الأوحد الذي يظهر في معظم المَشاهد ويشترك في معظم الأحداث ، أما الأعمال التي تقوم ببطولتها مُمثلات ، فيقُمن فيها باستعراض ملابسهن و تسريحات شُعرهن حتى لو كن في مواقف أو أدوار لا تسمح بذلك ، فتجد البطلة مُستيقظة من النوم وشعرها في غاية النظام والأناقة ، أو فقيرة وترتدي ملابس فاخرة ، وتقوم النجمات باستعراض أطقم الملابس المتعددة التي يمتلكونها ، لذلك تُفضل النجمات القيام بأدوار سيدات المجتمع الأثرياء مثل ( نادية الجندي ، إلهام شاهين ، يسرا ،سميرة أحمد)

سابعاً :
تتسم ديكورات الأعمال بالفقر الشديد والنمطية ، وتتكرر نفس الديكورات في أكثر من عمل ، بسبب توجيه معظم ميزانية العمل إلى أجور للأبطال ، ظهر هذا واضحاً في مسلسل (عمارة يعقوبيان ) الذي تحول إلى نسخة باهتة للغاية من الفيلم ، وكذلك (الإمام الشافعي )

ثامناً :
يبدو أن النجوم الكبار قد نسوا أو تناسوا المرحلة العمرية التي يمرون بها ، فمعظمهم يصر على الظهور في سن أصغر من عمره الحقيقي بمراحل ، وحتى إذا ظهر في سن كبيرة في المسلسل ، فانه يقوم بتمثيل لقطات الفلاش باك ليمثل دور شاب في العشرين من عمره ، باستثناء يحيى الفخراني ويسرا . فنادية الجندي تظهر في لقطات الفلاش باك كطالبة جامعية في العشرينات من عمرها ،وإلهام شاهين تظهر في دور امرأة يتهافت عليها الرجال طلباً لودها ، ولوسي التي تبلغ من العمر 50 عاما تظهر في الثلاثينات من عمرها



تاسعاً :
مازال التلفزيون المصري يضع العقبات أمام المَشاهد الجريئة والأفكار التي تحمل مضموناً مختلفاً ، عن طريق الاعتراض على تلك المشاهد وحذفها ، فيما تُعرض كاملة على المحطات الأخرى ، مما يضطر المؤلفين إلى محاولة تجنب ذلك من البداية ، ومحاولة إخلاء مسلسلاتهم من أي أفكار جريئة ، مما جعل معظم المسلسلات مُتشابهة ، ويستطيع المُشاهد تخمين النهاية منذ منتصف أحداث المسلسل .
قامت الرقابة بحذف مشهد دفن الأسرى أحياء في مسلسل نقطة نظام وجزءاً من الإهداء الذي كتبه المؤلف في البداية ، كما حذفت الرقابة عشر دقائق من مشهد الاغتصاب في مسلسل (قضية رأي عام ) ، وأيضاً ( الإمام الشافعي ) الذي حُذف منه عدد كبير من المَشاهد .
ولذلك يلجأ بعض المؤلفين من البداية إلى جهات إنتاجية أخرى لإنتاج أعمالهم مثل مسلسل(الملك فاروق) الذي أنتجته قناة أم بي سي وذلك لضمان عدم حذف أي مشاهد من ناحية ، وضمان الإنفاق الجيد على العمل بشكل جيد من ناحية أخرى .
فيبدو أن التليفزيون المصري نسى أن هناك جهات إنتاجية أخرى قد دخلت سباق الإنتاج وأنه لم يَعُد الجهة الوحيدة لإنتاج الأعمال التليفزيونية ، فقنوات دبي و MBC تنتج الآن عدداً كبيراً من المسلسلات وتعرضها حصرياً على شاشتها ، فلم يعد المؤلفون مضطرون بعد الآن إلى عرض أعمالهم على رقابة التليفزيون بعد الآن .
يتبقى بعد كل ذلك عملين نجحا في الإفلات من كثير من تلك العيوب والنقائص ، وأعادا بعض الأمل في إمكانية تقديم دراما مصرية قوية ومبهرة ومؤثرة .
أول العملين هو ( المصراوية) الذي يؤكد عبقرية مؤلفه الكاتب الكبير ( أسامة أنور عكاشة ) صاحب الروائع المتميزة ( ليالي الحلمية ،الشهد والدموع ، زيزينيا ) ويؤكد جدارته بلقب ( عمدة الدراما المصرية ) ، وربما لهذا السبب لم يعرض المسلسل أرضيا !! وهذا العمل هو بداية سلسلة من الأجزاء تتناول رصد تطورات المجتمع المصري خلال القرن العشرين ، ويطمح الثُنائي (عكاشة وإسماعيل عبد الحافظ ) إلى تقديم أربعة أجزاء أخرى مثل سلسلة ( ليالي الحلمية ).
أما العمل الثاني هو ( الملك فاروق ) الذي يُعد أكثر الأعمال المصرية تميُزاً وحرفية وإبهاراً هذا العام ، حيث يحتوي على مشاهد بصرية عالية الجمال والدقة التاريخية في الديكورات وتناوله الموضوعي للأحداث التاريخية ، وساهم تصويره شبه السينمائي في جذب المشاهدين لمشاهدته ، وقد تكلفت الديكورات وحدها مليون و 700 ألف جنيه ، وجذب الممثل السوري ( تيم حسن ) الانتباه بأدائه الجيد والممتع .
وفى النهاية ما لم تحاول الدراما المصرية تجنب عيوبها المتكررة التي تتكرر بنفس التفاصيل كل عام ،فان المشاهدين سيبدأون في تركها حتى لا يصابوا بالملل ومتابعة أعمال أخرى مثل الدراما السورية التي تتحرك بخطى ثابتة تجاه أنظار المُشاهد العربي
أسامة الرشيدى

هناك ٧ تعليقات:

Ahmed Al-Sabbagh يقول...

عزيزى اسامة الرشيدى

تحياتى من كل قلبى

انا مش هعلق على البوست ده بعينة رغم انه جميل اوى اوى

لكن المدونة كلها اكثر من رائعة


خصوصا الصور المنشورة فى السايد بار للرئيس الايرانى نجاد

مش عارف جبتها منين يا عفريت

انا مش متأكد دى اول زيارة ليا للمدونة ولا لأ

بس اكيد مش الاخيرة ان شاء الله

بجد مدونتك رائعة جدا


تحياتى
أحمد الصباغ

أحمد بن شلبي تكعيب يقول...

أسامة .. بجد غير عادي

انا اما كنت داخل اشوف المواضيع كنت عارف اسلوبك " ممتاز طبعا" لكن لم اتخيل ان المواضيع تبقى بالمنهجية والتنظيم والتحليل في طريقة العرض والسرد ... واللغة زادت قوة

والله العظيم مش بجامل

انت هتبقى عظيم في المستقبل

اعظم من استاذ سمير رجب نفسه يا كابتن

وبس

غير معرف يقول...

سوف لن اغدق عليك بكلمات المدح لاني لا اجاريك في اللغة ولكن تستحق كلمة متميز

الماس يقول...

هاااااااااااااااااى اولا انا بحب اهنى كل مشاركين مسلسل قضية راى عام بجد مسلسل رائع لانه عبر عن ماساة كتير من الناس عانوا منها بجد انا اعجبت بيكوا وباداكوا فى المسلسل انتوا نجوم بجد الشخصيات اللى عجبتنى فى المسلسل هيا (سيد شكمان -عبلة على قوتها - حنان ما استسلمتش - رامى جسد الشخصية تماما )اشرف شخصية الشراسة والعدوانية خلت الناس تكرهك واولهم انا معلش انااسفة بس بردوا حلوة عليك ولايقة جدا احلى من الظابط بكتيييييييييييييييييير وخليكعلى النمط دا ***براءة فلسطين**** وبجد اعملوا حاجة عن فلسطين ولو مرة وحدة بس عشان نحس انوا احنا لينا دور فى مصر ولينا معزة عندكو

الماس يقول...

انا بحب المسلسل مووووووووووووووووووووووووت موت زى روحى واكتر ويا ريت يا استاذ لو عايز تعبر عنراى الناس بجد تنشروا وبهدى للفنانين اغنية الله يباركلى فيك بااااااااااااااااااااااى يا احلى حاجة شوفتها فى حياتى

غير معرف يقول...

نعم الدراما المصرية هذه الأيام في اسوأ حالاتها لكن ستظل مدرسة الدراما التي يتخرج منها العرب حتى السورييين والخليجيين

وستعود الدراما لسابق عهدها

شكرا لك

الماس يقول...

على راسى يا باشا عاى راسى اشى اشى اشى اشى ممكن لو سمحتو تحطو رد ارجوكم بليز ممكن انا الماس بليز منتظرة رايكم فى تعليقى بليز حزعل لو ما رديتوش