أكتوبر ٠١، ٢٠٠٧

سبعة أيام فى السعودية


هذه بعض من مشاهداتى فى السعودية عندما كنت أقوم بالعمرة منذ حوالى شهرين وقضيت
هناك سبعة أيام
كتبتها فى موضوع وسميته
سبعة أيام فى السعودية

بعيداً عن صخب الحياة وتعقيداتها، والسياسة ومتاعبها، وصراع البشر وشرورهم ، تقع مكة قبلة المسلمين ومركز الكرة الأرضية ، يأتي إليها جميع الأجناس من جميع أنحاء العالم ،من بلدان وقارات مختلفة ويتحدثون لغات متعددة، قادمين ليُلبوا النداء مُستجيبين لدعوة سيدنا إبراهيم المستمرة إلى الآن بأن يجعل الله هذا البلد آمناً مطمئناً ، وأن تحل فيه البركة والرزق الوفير ، وأن يأتي إليه الناس من كل مكان لإعماره



شعور قوي بالرهبة يُسيطر على النفس عند رؤية المسجد الحرام ومآذنه من الخارج ، حيث يأتي الناس وكل ما يشغل بالهم هو إرضاء الخالق عز وجل ، حيث الصلاة الواحدة بمائة ألف صلاة ، حيث يوجد بيت الله الحرام ، أعظم البيوت وأقدسها على الإطلاق.
كان الفندق الذي أقمنا فيه قريباً جداً من الحرم ، أما أكثر ما يشغل الذهن في البداية هو أداء العُمرة بشكل صحيح ،حتى يتقبلها الله ويتخلص الإنسان من ذنوبه وخطاياه الكثيرة ، وعودة للنقاء النفسي والتفكير في الآخرة بدلاً من التعلق بالدنيا .
ولله الحمد تمت العمرة في سهولة ويسر ، ومما ساعد على ذلك أننا قُمنا بها قبل صلاة الفجر مما خفف من الزحام المتواصل طوال اليوم .

عندما كنا نقوم بالسعي في ( الصفا والمروة) ، كنا ندعو بالخير لمَن يزيد البيت الحرام مهابة ، فكرت قليلا وقلت في نفسي : إن ملوك السعودية يقومون بتجديد المسجد الحرام باستمرار والإنفاق عليه ورعايته بشكل كبير ، أي أنهم يزيدونه مهابة ، هذا يعني أنني أدعو لهم رغم ما يمارسونه من احتكار للسلطة والثروة وحرمان الشعب منها وانتهاكات حقوق الإنسان المعروفة في المملكة ، ولكني رددت الدعاء أملاً في الاستجابة وهداية الله لهم
من السهل على الإنسان الالتزام وهو في مكة ، حيث تساعد الأجواء التي يكون فيها الإنسان على ذلك ، والتواجد المستمر في المسجد الحرام وأداء جميع الصلوات فيه ، لكن من الصعب الحفاظ على هذا الالتزام والسلام النفسي بعد ذلك ، وهذا هو التحدي الحقيقي ، فالمصريون هناك منتشرون جداً ، وهم أكثر الجنسيات التي تُقابلك هناك ، والفندق الذي كُنا مُقيمين فيه كان معظم رواده من المصريين ، فإذا كان هؤلاء قد حافظوا على التزامهم بعد رجوعهم إلى بلدهم ، هل كان سيكون هذا حالنا ، هل سيكون هناك الفساد والرشوة والمحسوبية والحقد والصراعات بين الناس ؟ ، هل يعتقدون أنهم بأدائهم العمرة قد تخلصوا من ذنوبهم مدى الحياة وبذلك يفعلون ما يحلو لهم من سرقة ونهب ؟ ، لم أستطع العثور على إجابة لهذا السؤال





استطعنا اختراق الزحام والوقوف أمام الكعبة مباشرة ، لمست الكعبة بيدي ودعوت الله بكل ما أريده في دنيتي وآخرتي ، فأنا أمام بيت الله الحرام مباشرة ،لا يوجد مسافات أو عوائق.
أما الزحام حول الحجر الأسود لا يتوقف على الإطلاق ، مجموعات كثيرة جداً تحاول بشتى الطُرق الوصول إليه وتقبيله مباشرة ، على الرغم من أنه يجوز تقبيله عن بُعد عن طريق تقبيل اليد وتوجيهها إليه من بعيد ، وذلك ما إذا كان تقبيله مباشرة يلحق الأذى بالمسلمين بسبب التزاحم والفوضى ، لكن كثيرين لا يقتنعون بذلك ويصرون على تقبيله مباشرة مما يؤدي إلى زحام رهيب أمامه وتدافع شديد وأحياناً الضرب ، أين هؤلاء من قول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( والله أني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله يُقبلك ما قبلتك )

عندما خرجت من الحرم وجدت مفاجأة، ( بيتزا هت ) و ( كنتاكي) يوجد لهما فرعان أمام الحرم مباشرة ، لم يتركوا مكاناً حتى أمام الحرم ، وأسعار الوجبات فيهما أغلى من أسعارها في فروعهما في أي مكان آخر ، يبدو أنهم يُقدرون مكانة مكة جيداً ويُقدسونها ولكن على طريقتهم ، فيسعون إلى أخذ بعضاً من بركة الحج والعمرة من زوار الحرم

على الرغم من أن مياه زمزم مُتاحة للجميع في أي وقت وبأي قدر ، إلا أن هناك خارج الحرم مجموعة من البائعين يبيعون تلك المياه في جراكن كبيرة ، فما عليهم إلا أن يدخلوا ويملئوا تلك الجراكن ثم يقفون لبيعها للمُعتمرين ، أي أنهم ( بيبعوا الهوا في أزايز) ، فكل مايتكلفونه هو ثمن الجراكن ، حيث أن بعض المُعتمرين يريدون أن يأخذوا أكبر قدر مُمكن من مياه زمزم قبل أن يغادروا إلى أقاربهم وأهلهم ، فيستغل هؤلاء البائعين رغبتهم في أخذ كميات كبيرة من تلك المياه في بيع تلك الجراكن ، والجركن الواحد يُباع بعشرة ريالات.

حزنت كثيراً عندما حضرت خطبة الجمعة بالمسجد الحرام ، حزنت أن تكون تلك الخطبة قد أُلقيت في أهم وأعظم وأقدس مكان عند المسلمين ، فالخُطبة تقليدية مُملة لا تؤثر في النفس على الإطلاق ، ولا تدعو إلى أي شيء ذي بال ، وهي تُجسد التحالف غير المحمود بين الوهابية والأسرة الحاكمة ، فالخُطب جميعها تقتصر على موضوعات هامشية مُكررة وغير مهمة من نوعية ( أن الصلاة في المساجد التي بها قبور لا تجوز) وموضوعات أخرى لا صلة لها بالواقع، أما في ختام الخطبة فيقوم الخطيب بالدُعاء للملك بأن ينصره الله ويوفقه وكأننا مازلنا في العصور الوسطى .
لا أحد يتحدث عن مظاهر الظُلم والفساد والاستبداد والديكتاتورية واحتكار الثروة والسلطة والقهر الذي تتعرض له المرأة السعودية ، لا أحد يتحدث عن وجوب مقاومة كل ذلك ، لكن في النهاية هذه هي طبيعة كل النُظم الاستبدادية ، تحرص دائماُ على ترويض المؤسسات الدينية وتوجيه الشعور الديني إلى طريق أخر

في مكة ينتشر مجموعة من البائعين يفترشون الأرض لعرض بضائعهم المختلفة ، لاحظت أن كلهم أفارقة ، وعرفت أن هؤلاء كانوا عبيداً جاءوا من أفريقيا ، والآن لا يستطيعون العودة لبلادهم ولا الحصول على الجنسية السعودية رغم وجودهم منذ مئات السنين ، ويعيشون في فقر شديد ولا يمتلكون غير بضاعتهم ، فهي كل ما يملكون







من المُلاحظ أن المتاجر يعمل بها سعوديون كثيرون ومنهم مَن يعمل في وظائف بسيطة ، وهو أمر قد يبدو مفاجئاً في بلد يتمتع بهذه الثروات ، إلا أنه في الواقع أن السعودية تتزايد فيها معدلات الفقر والبطالة باستمرار رغم ثرواتها البترولية ، لذلك هناك اتجاه إلى ( سعودة ) الوظائف ، أي تعيين سعوديين فيها للقضاء على البطالة


توجد شعبة في وزارة الداخلية السعودية تسمى ( المُجاهدون ) لكم أن تتصوروا صورة هؤلاء المُجاهدون ، لابد أن يكونوا أُسوداً يحتملون أقسى الظروف وأصعبها ، هذا ما كنت أتصوره ، إلا أنني رأيت أحدهم ذات مرة في أحد الشوارع ، كان واقفاً مُرتدياً نظارة شمسية لتقيه أشعة الشمس ومُمسكاً بزجاجة مياه معدنية في يده ، ضحكت بشدة ، إذ يصعب على الإنسان أن يتصور أحداً يُجاهد بالنظارة الشمسية والمياه المعدنية .

أما عن الفول فهو لا يترك المصري أينما ذهب،فهناك الكثير من المطاعم التي تبيع الفول بأنواع كثيرة ويشتريه كل الناس، أكثرهم بالطبع هم المصريون الذين يبدو أنهم لم يتحملوا فُراقه تلك الأيام المعدودة

هناك الكثير من المظاهر في المجتمع السعودي التي تُجسد سيطرة الفكر الوهابي المُتشدد وسيطرته على المجتمع السعودي ، فالنساء يُعاملن معاملة الأشياء التي لا تستحق أي اهتمام ،ولا يجوز لها قيادة السيارات، أما المراكز التجارية ( المولات ) فمحظورة على الأفراد ، فهي مُقتصرة على العائلات فقط ،ومعظم الأماكن مُقتصرة على العائلات فقط ، ولا توجد أي دار سينما على الإطلاق في البلد كلها.

وأكثر ما أثارني هي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر لأنها تسيطر على المجتمع السعودي سيطرة كاملة فإذا كنت واقفاً لا تفعل أي شيء ، قد يأتي إليك أحد أفرادها ليسألك عما تفعل ، وإذا كان ردك لا يُعجبه من الممكن أن يقبض عليك ، وممنوع حلاقة الذقن في صالونات الحلاقة حيث يعتبرون ذلك إثماً ، وهو ما يجعلك تتعجب من أن خادم الحرمين الشريفين نفسه يفعل ذلك الإثم فهو حليق الوجه ما عدا بضعة شعيرات حول فمه ، ومع ذلك على أحد يعترض على ذلك

الإثم ،وعندما توجهنا إلى أحد المطاعم لتناول الغداء ، أخبرنا أحد العاملين فيه أن المطعم مُغلق للصلاة ، على الرغم من أن موعد الصلاة كان بعد ساعة كاملة ، فهناك لابد أن تغلق المتاجر والمطاعم وقت الصلاة ، ومَن يبقى متجره مفتوحاً يتعرض للضرب و يُقبض عليه ، وكأن الصلاة بالإجبار والأمر


وعندما أخذت أتساءل عن الهيئة سمعت عن تزايد تجاوزات رجالها التي وصلت إلى حد حدوث عدة حالات وفاة تعرض لها أشخاص في مراكز الاحتجاز التابعة للهيئة ، وهناك مَن تعرض إلى الضرب حتى الموت ، وهو الأمر الذي أطلقت له دعوات في الصحافة المحلية تُطالب بإعادة النظر في دور الهيئة والحد من سُلطاتها ، الأمر الذي دفع وزارة الداخلية إلى إصدار قرار يقضي بمنع رجال الهيئة من التحقيق مع مَن يتم القبض عليهم أو احتجازهم في مراكز الاحتجاز التابعة للهيئة ، وتحويل المقبوض عليهم فوراً إلى مراكز الشرطة الرسمية
وقد أصدر مفتى السعودية بياناُ ناشد فيه رجال الهيئة بضرورة الرفق واللين مع المواطنين ، ومعاملتهم معاملة طيبة
وفى تصريحات لأحد أعضاء مجلس الشورى السعودي لوسائل إعلام أجنبية أكد فيها أن من بين أكثر من 40 ألف حالة ضبط قامت بها الهيئة تبين أن حوالي 90 في المائة منها كانت خاطئة ، أي أن 10 في المائة فقط كانت مُستوفاة للشروط القانونية
ولذلك تُسبب الهيئة العديد من المشكلات ، فهي تربط الإسلام بالقَهر والإجبار والمظاهر الخارجية والشكل الخارجي ، فالمجتمع يبدو ظاهرياً خالياً من مظاهر الرذيلة ، ولكن كل شيء يتم في الخفاء ، من مُخدرات ودعارة وخمر وشذوذ ، الهيئة أيضاً تربط الإسلام بالحدود الجغرافية ، فما أن يخرج المواطن من بلده حتى يندفع ليقوم بكل ما لا يستطيع عمله في بلاده ، ولذلك فكثير منهم يذهب في الصيف إلى لبنان ومصر وأوروبا وأمريكا للتمتع بحريتهم المفقودة في مجتمعهم ، وهو ما يفسر سلوك بعض السُياح العرب في كازينوهات شارع الهرم وأخيراً أريد أن أقول لكم أكثر ما أثار دهشتى وسيُثير من دهشتكم .. إن الفندق المواجه للفندق الذي أقيم فيه مباشرة يسمى ( فندق قصر مبارك ) ،وكأن ليس الفول فقط مَن يأبى أن يتركنا لبضع أيام
فمبارك علينا جميعا
أسامة الرشيدى

هناك تعليقان (٢):

غير معرف يقول...

اولا من حيث الكتابة والموضوع فلا غبار عليه اما بقى من حيث الاحداث فنقطة نقطة بس متزهقش
فعلا معظم المطاعم مش بس امريكية لاء دول كمان بيمنعوا مطاعم تانية وطنية زي البيك من الانتشار او حتى انه ياخد اماكن متميزة جنب الحرم سواء المكي او المدني
خطبة الجمعة فعلا تقليدية سواء في الحرم المكي او المدني او حتى في جوامع المملكة عموما ياريتها بس تقليدية لاء دي بتتقرا من ورقة والورقة لازم تكون متوافق عليها من جهة عليا
بالنسبة بقى لغلق المحلات وقت الصلاة انا معاهم في دي حتى علشان تحس انك في مجتمع مسلم ونفس الحكاية قيادة المراة للسيارة ده راحة ليها مش احسن من المعاملة اللي بيعاملوها لها سواقين التاكسي
تعليق بسيط على حلق الذقن - فيه فتوة ان التصوير حرام ومع ذلك صور الملك على كل العملات واحنا اللي حلال عندنا حاطين تماثيل الملك ده فوق الحاجات دي ده حد تاني

الكلام ده من منطلق 12 سنة عشتها في السعودية وده ميمنعش انها بلد جميلة وبصراحة انا بفضل اعيش فيها عن مصر

أحمد منتصر يقول...

مقالة حلوة

تحياتي :)